حول الحراك السياسي مع د. أبوبكر مصطفى بعيرة


حديث صريح وشفاف مع خبير الإدارة والتنظيم الدكتور أبوبكر مصطفى بعيرة

دكتور أبوبكر لو سمحت، ماذا يجري الآن على المستوى السياسي في ليبيا؟
إن ما يجري حاليا من حراك سياسي إنما هو أمر طبيعي يتماشى مع ما لدى أفراد الشعب الليبي من طموحات نحو الحرية والعدالة وتحسين مستوى معيشة الناس و غير ذلك من الطموحات المشروعة التي ظل المواطن الليبي محروما منها لسنوات طويلة. ولكن يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الحراك السياسي الدائر تحفه بعض المخاطر التي قد تقلل من فعاليته.
ماذا تقصد بالمخاطر؟
لعل أهم هذه المخاطر هو عملية التهميش والتغييب السياسي لدور المواطنين في العملية السياسية خلال الستة عقود الماضية من تاريخ ليبيا السياسي، فبالرغم مما كان للعهد الملكي من حسنات في تحسين مستوى معيشة الليبيين إلا أنه قام هو أيضا بتهميش الدور السياسي لليبيين طيلة فترة حكمه، وربما كان هذا تحت تأثير الكثير من المستشارين والخبراء المصريين الذين كانت تعتمد عليهم ليبيا في الكثير من أنشطتها، وكانوا هم بدورهم قد تأثروا بالصراعات التي تفجرت في مصر منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، بين كل من الدولة المصرية والنشطاء السياسيين هناك وما ترتب عليه من سلبيات في الحياة المصرية انتقلت بدورها إلى المجتمع الليبي بحكم الصلات والجوار. و ثانياً ما فرضه نظام القذافي على الشعب الليبي من أحادية في التفكير لا تسمح بأي هامش للرأي المغاير تحت كافة الظروف ولا شك في أن بقاء الليبيين تحت هذا النمط من أحادية التفكير وتهميش الرأي الآخر قد أثر في طريقة تفكيرهم وفي أسلوب تعاطيهم مع الأشياء بما في ذلك بطبيعة الحال النظر إلى العملية السياسية وكيفية ممارستها.
هل من مثال أو دليل على ذلك؟
نعم، خلال الشهور الماضية ظهرت بين بعض النشطاء السياسيين في بعض مدن ليبيا دعوة لانتقاء أسلوب حكم متطور يتم تضمينه لأحكام الدستور القادم الذي سوف ينظم العملية السياسية في البلاد، ومن استقراء تجربة الحكم في ليبيا خلال الستين سنة الماضية واستقراء أيضا لتجارب الحكم التي يتم تطبيقها في أكثر دول العالم تقدما مثل كندا واستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وسويسرا وغيرها من الدول الرائدة اقتصاديا في العالم، تم طرح أسلوب نظام الحكم الاتحادي (الفيدرالي) كوسيلة أنسب لحكم ليبيا ينبغي أن تطرح على بساط البحث خلال فترة الحراك السياسي الحالية. ولكن بمجرد أن تم طرح الفكرة برز أثر الثقافة السابقة المسيطرة على عقول الكثير من النشطاء السياسيين حتى بدون أن يمحصوا الفكرة أو أن ينظروا في مدى فائدتها لليبيا من عدمها، فقاموا بمهاجمتها على أساس أن الفيدرالية دعوة لتقسيم ليبيا وقال البعض الآخر بأن الفيدرالية دعوة للقبلية ... بل إن البعض خرج على الملأ ليعلن أنه لن يسمح بقيام الفيدرالية في ليبيا وكأننا ما زلنا تحت عباءة حكم الفرد الذي قد يسمح أو لايســــــــمح (هو !!) بقيام أمر ما أو عدم قيامه.
إن مثل هذا الأسلوب هو في نظري أخطر شيء على عملية الحراك والتنمية السياسية في ليبيا، ولابد من أن يتخلص الليبيون - كما تخلصوا من حكم الطغيان بعزيمة وشجاعة الثوار الشبان - مما خلفه لهم نظام القهر والجور السابق من أمية سياسية تقتل أية طموحات لهم في المستقبل، ويمكن لأي متطفل على العمل السياسي من أن يستغلها بديماجوجية لتحقيق مآربه الشخصية مثل ما حدث معنا في السابق.
هذا الأسلوب الخطير الذي أشرت اليه يا دكتور هل تقصد إستغلال شخص ما قلة معرفة الناس بالسياسة إستغلالها لأغراضه و أهدافه الشخصية على حساب المصلحة العامة؟
إن كل الاحتمالات واردة، ولكن حتى إذا ما افترضنا حسن النية لدى مثل هؤلاء الأفراد، فإن النتيجة سوف تكون واحدة، ومؤداها هو تعطيل مسار العملية الديمقراطية. إن علينا نحن الليبيين أن ننظر بتمعن إلى ما جرى مؤخرا في دولة مجاورة لنا مثل تونس، حيث أدى حسن إدارة عملية التحول السياسي إلى تقدم ملحوظ لدى هذا البلد الشقيق في ممارسة عملية التغيير اللاحق للثورة الشعبية التي قامت هناك، وبشكل أثار إعجاب العالم أجمع. والمهم في كل ذلك هو أنه لم يبرز في تونس أية أفراد يحاولون تحويل مسار العملية الديمقراطية لصالحهم عن طريق الكثير من المناورات السياسية المكشوفة التي نشهدها جميعا على الساحة الليبية من قبل أفراد أصبحوا يحلمون بمستقبل سياسي عن طريق التلاعب بعواطف الناس. ولقد لفت نظري بشكل خاص هجوم شنه أحد أعضاء المكتب التنفيذي السابق على الحكومة الانتقالية الجديدة بمجرد أن خرج هو من تشكيلة الحكومة، وقد بنى نقده هذا على أساس أن الحكومة الجديدة لا تمثل الشعب بشكل صحيح!! وهل ياترى كيف يجيب مثل هذا الشخص لو سئل عما إذا كان المكتب التنفيذي السابق أو المجلس الوطني الانتقالي ذاته قد جاء من خلال عملية ديمقراطية صحيحة أم لا. إنها وللأسف الأمية السياسية التي تطل علينا من حين لآخر بوجوه مختلفة.
كيف ترى أو ما هي الوسيلة الصحيحة التي تضع و تضمن مصلحة الشعب الليبي و أمن و سلامة و إستقرار ليبيا فوق و قبل كل الأولويات؟
إن المفصل الرئيسي لعملية التحول السياسي الراهن في ليبيا يتمحور حول العملية الانتخابية القادمة وتوابعها، وبقدر نجاح هذه العملية يمكننا الحكم على مدى نجاح التحول السياسي من عدمه. إن نجاح هذه العملية الانتخابية يتطلب التأكد من وجود بعض المتطلبات الأساسية والتي من أهمها:
أولا: توفر صدق النية لدى مختلف الأطراف للدخول في هذه العملية وهم آخذون في الاعتبار المصلحة الوطنية العليا لليبيا وشعبها.
ثانيا: الإعداد الإداري الجيد للعملية الانتخابية، من تثقيف أفراد المجتمع، وإعداد الإجراءات الإدارية الأخرى (وهي كثيرة) اللازمة لإتمام عمليــــة الانتخاب بنجاح. ولكن وللأسف فإن الجهد الإداري الذي ربما تكون قد بذلتـــه الإدارة في هذا الشأن غير ظاهر للعيان، والخوف أنه قد تكون مرت كل الفتــــــــرة الماضية دون اتخاذ أية خطوات جدية حيال هذه الأمور.
ثالثا: تشجيع مؤسسات المجتمع المدني، وهي حديثة النشـــأة لدينا، على أن تلعب دورا مهما في هذا المجال، وعدم ترك كل العبء ليقع على كاهل جهة الإدارة.
رابعا: شفافية إجراءات القيام بكل ما يتعلق بهذه العملية من بدايتها إلى نهايتها، فمن حق جميع الأطراف أن تكون على إطلاع كامل بكيفية سير العملية الانتخابية في مختلف مراحلها، منذ البداية إلى النهاية.
خامسا: الدقة في اختيار أعضاء الجمعبة الوطنية التي سوف يناط بها الكثير من الأمور الحاسمة في عملية التطور السياسي، وكذلك الاختيار غير المتحيز والشفاف للهيئة العليا التي سوف تشرف على العملية الانتخابية، وإعطائها كامل الحرية في اتخاذ قراراتها بشكل مستقل، وهذه أمور أتخوف منها كثيرا في ظل ثقافة التهميش وغياب الشفافية والانفراد بالرأي التي غرسها في نفوسنا النظام الاستبدادي السابق.

هناك 6 تعليقات:

  1. الدكتور ابوبكر عملاق الادارة يتحدث فيوجز ويشخص فيعالج !
    بارك الله فيك دكتورنا ابوبكر

    ردحذف
  2. بصراحه كلام رائع
    ويشفي الغليل

    بس للأسف (عياط في أذن حمار فارق الحياه)

    شكرا للدكتور ابوبكر
    والشكر أيضا لأستاذ علاء

    والسلام عليكم

    ردحذف
  3. سرد للواقع بلغة واضحة ووضع خطوط عريضة لكل ما يدعو لتحاذ التدابير اللازمة اتجاهه ، مع عدم إغفال توضيح الطريقة ألايجابيه للوصول لبر الآمان . أشكرك دكتور ابوبكر علي ما تقدمت به من نصح وتوضيح حول ما يجري في ليبيا من حراك سياسي لا يبدو مفهوم لدي كثير من الناس .

    ابوبكر القطراني

    ردحذف
  4. بارك الله فيك يا دكتور، ونأمل ان ترأس جامعة بنغازى...

    طالب من برنامج بوكونى

    ردحذف
  5. بارك الله فيك يا دكتور ونأمل من الله ان يكثر من امثالك
    لبناء ليبيا

    ردحذف
  6. كلام منافقون يامرضي

    ردحذف